عدد المساهمات : 518 نقاط : 52646 تاريخ التسجيل : 19/03/2010 العمر : 30 الموقع : https://manosh93.yoo7.com/forum.htm
موضوع: كتبوا على الجدران ... الأحد أغسطس 14, 2011 3:49 am
السوريون الذين عانوا من الحكم الديكتاتوري لأربعين عاماً خلت، حطموا اخيراً حاجز الخوف، بدايةً باعتصامات تضامنية مع الشعب التونسي ثم المصري والليبي ليعلنوها بعد ذلك صريحة بتحولهم نحو الهم الوطني في انتفاضة الحريقة بهتافات كان اولها ‘الشعب السوري ما بينذل’ و’يا بشار انقذنا من العصابة’، لتتطور الاحداث بعد ذلك بتسارع غير مسبوق نتيجة لعيوب في بنية النظام الممانعة لاية تغييرات حقيقية على النقيض مما يدعي. ففي سيناريو مشابه لما جرى في تونس ومصر وليبيا، نهضت درعا في جنوب سورية يوم 18 آذار/مارس، بمطالب محدودة اقتصرت على إطلاق سراح عشرين طفلاً سجنوا بسبب كتابتهم على الجدران لشعارات مناهضة للنظام وتطالب بإسقاطه، ثم المطالبة برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح سجناء الرأي، رداً على المعالجة العنيفة لمطالب الاهالي من قبل الاجهزة الامنية تحت قيادة العميد نجيب عاطف. بذلك تكون درعا قد دخلت التاريخ من اوسع ابوابه بتبنيها مطالب اكثر من عشرين مليون سوري يتوقون للحرية والكرامة والديمقراطية. مطالب السوريين كانت متواضعة في بدايتها، بالنسبة لما رفع من مطالب في انتفاضات عربية مشابهة، والمتمثلة برفع قانون الطوارئ ومحاربة الفساد وكف يد الاجهزة الامنية عن رقاب الناس. ومهما جادل النظام والمتحدثون باسمه، رسميين كانوا ام متحذلقين ممن ارادوا التسلق على سلالم النفاق، متعامين بذلك عن الدم الزكي الذي اريق برعونة رجال الأمن وانفلات عقالهم من كل رادع وطني أو أخلاقي، فإن الرد الذي سوقته الاجهزة الامنية في درعا والصنمين وآنخل وجاسم، لا يرقى بأي شكل من الاشكال الى مستوى تصرف مؤسسات وطنية، بل ان تلك الاجهزة نحت في معالجتها للأحداث منحى تأنف اشد منظمات المافيا إجراماً على الإتيان بمثله ومن دون اي إحساس بالمسؤولية، ان لم يكن باتجاه الوطن والمواطن، فعلى الأقل اتجاه الخطاب الوطني الإصلاحي الذي تبناه الرئيس بشار الاسد وفريقه منذ عشرة اعوام ونيف.
بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية في درعا، ومن ثمة في اللاذقية وبقية المحافظات السورية، عاش السوريون عشرة أيام عجافا بانتظار خطاب الرئيس الاسد، معللين الأنفس بقرارات وتوصيات تبرد الجروح النازفة في أكثر من محافظة، متمنين ان تصدق آمالهم بأن بشار الاسد لم ولن يسكت عن الظلم الذي حاق بهم، خاصة انه لم يفتأ يقدم نفسه، بكل احاديثه، كرئيس يقف في صف الشعب ضد الفاسدين والمفسدين. ومما أنعش امال السوريين، تصريحات نواب الرئيس ومستشاريه، التي كانت مترعة بالوعود والآمال. لكن الخطاب الموعود، الذي اختاره الرئيس أن يكون من تحت قبة مجلس الشعب امعاناً في الهزلية، جاء مخيباً للآمال، بل لا نبالغ اذا قلنا انه اضاف من الالام بأكثر مما يحتمله أكثر المتفائلين به وبفترة حكمه. فقد خلا هذا الخطاب، وبتجاهل عبثي، من اي اشارة ولو بالتلميح لمطالب الشعب الحقيقية، او من اية كلمة عزاء بالشهداء الذين سقطوا برصاص رجال الأمن والفرقة الرابعة التي يقودها شقيقه العقيد ماهر الاسد في درعا، او بيد عصابات الشبيحة في اللاذقية. لا بل ان الخطاب جاء مليئا بالأضاليل والتهم الخيالية التي لا تليق برب اسرة، فما بالنا برئيس دولة يعلم هو قبل غيره أنها محض اكاذيب. فإلقاء التهم على عناصر خارجية مندسة او داخلية عميلة والتلميح بشبح الفتنة الطائفية، ما هي إلا اسطوانة مشروخة لم تنفع بن علي ولا مبارك، وهذه المراوغة الفجة لم تنطل حتى على الاطفال.
ولعل مآسي السوريين وخيبة املهم لا تقف عند هذا الخطاب التاريخي الذي يجب أن يدرس في جامعات العالم كمثال على تضليل الشعوب وتهديدها، بما حمله من مغالطات وتضليل ومراوغة وضعف في الحجة واستهتار بمطالب الشعب المشروعة، بل الأنكى من ذلك، أن خطاب الرئيس بشار الاسد حمل، بخطورة واصرار، مشروع حرب طائفية، تبدو انها الورقة الاخيرة التي يستطيع النظام لعبها لمواجهة حالة الغليان، والرد الوحيد على الحراك السلمي للجماهير كان واضحا في تحليلات الرئيس الفلسفية: إما النظام أو الفتنة الطائفية ولا مكان للوسط، فإما معنا أو علينا. فقد كان ديدن النظام، ومنذ بداية الانتفاضة، العنف رداً على التظاهرات التي يصر الشباب الثائر منذ اليوم الاول وحتى جمعة الصمود الاخيرة على سلميتها.
ولا يبدو فقط أن النظام مصر على مواجهة المطالب المشروعة بالسلاح والنار فقط مع التغييب الكامل لأية بادرة انصات لمطالب الجماهير، بل انه امعن بالتصعيد العنيف باستخدامه بعض فرق الجيش وآلويته، خاصة الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، واطلق يد الأجهزة الأمنية وعصابات الشبيحة وزعران الحزب في دمشق ودوما ودرعا ولاذقية العرب وحمص ودير الزور وبقية المحافظات والمدن السورية المنتفضة، لتعيث قتلاً واعتقالاً وتنكيلاً بالمواطنين. والحال كذلك، فإذا كانت سورية مستهدفة حقاً بمؤامرة خارجية، الا يحق لنا أن نتساءل: من يخدم هذه المؤامرة؟ تصعيد الخطاب الطائفي من قبل النظام، واشاعة استخدام العنف، ام الحراك السلمي للمتظاهرين الذين قدموا مطالب واصلاحات، يعلم النظام قبل غيره انها تطمح، اولاً واخيراً، الى تقوية الجبهة الداخلية ضد من يستهدف سورية ومواقفها القومية، ثم اذا كانت مواجهة تلك المؤامرة المزعمة تتطلب مراجعة سياسات النظام الداخلية والحد من تغول التحالف المافيوي بين الاجهزة الامنية وعصابات الفساد وكف يد المقربين عن رقاب المواطنين، ألم يكن حرياً بالرئيس أن يقول لنا وبكل صراحة وشفافية ما هو فاعل إذا كان الحل، كما يفرضه المنطق السليم، تغييرا جذريا في بنية النظام؟
وبعد مضي أقل من شهر على بداية الثورة وسقوط مئات الشهداء والاف الجرحى في جميع انحاء سورية، يمعن النظام في تعاميه عن الحقائق والبديهات التي بات الشعب السوري يعرفها ومعه الشعوب العربية، واولاها: ان قاطرة التغيير قد انطلقت، وان الشعب السوري بكل مكوناته قال كلمة الفصل بوجوب تغيير النظام، فلا منح الجنسية السورية للمواطنين السوريين الاكراد يعيد لهم كرامتهم المهدورة منذ نصف قرن، ولا العزف على الوتر الطائفي بات يُرقّص جزءا عزيزاً ومهماً من شعبنا عانى قبل غيره من ويلات النظام. يعرف السوريون اليوم، اكثر من اي وقت مضى، بأنهم يستحقونَ قيادة تواكب تطلعاتهم الوطنية والقومية، لا قيادة تقتل وتنكل بهم بعد أن قضت سنوات طوال تتاجر بقضاياهم ومصائرهم وتُأملهم بمستقبل أفضل لم ولن يأتي، في ظل علاقة الغش والكذب والتسويف والتهديد بحرق المركب بمن فيه. ويبدو كذلك أن النظام لم يستوعب بعد أن الثورة ليست عشوائية كما يراهن ويأمل مؤيدوه المتطوعون والمجبرون على حد سواء، بل ان الشباب المنتفض قد طور آليات تنظيم فاقت بأشواط قدرات أجهزته الأمنية التي لا تتقن سوى فنون التعذيب والقتل والتنكيل واخراج المسرحيات العبثية.
إن الثورة التي انطلقت على أيدي أطفال درعا، تتمدد الآن على كامل التراب السوري، دمشق، درعا، دوما، اللاذقية، حمص، حماة، جبلة، بانياس، دير الزور، الحسكة، القامشلي، تل كلخ , حلب وكل المدن والبلدات السورية تنهض. لقد اختار الشعب السوري بكل مكوناته، الكرامة والحرية، وها هو يدخل التاريخ بعد أن غيبته الدكتاتوريات المتعاقبة عن المسرح، والخوف اصبح الآن في ملعب النظام والشيء المؤكد أن سورية الغد لن تعود كما كانت قبل الثامن عشر من اذار بوجود النظام او بزواله.